الخطبة الأولى
أما بعد:فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا أن الله أوجب علينا صيام رمضان أداءً، وهو أحد أركان الإسلام، لقوله تعالى فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وهذا بإجماع أهل الإسلام.ثانياً: إن الله تعالى لم يطالب بهذه العبادة إلا من التزم شريعة الإسلام، فمن لم يكن موحِّداً لله فإنه لا يطالب بأركان الإسلام، حتى يعبد الله حقاً، وينقاد لشريعة الإسلام.وأما الصغير غير البالغ فإنه لا يطالب به فرضاً، ولكنه يُرغّب فيه، ويُحث عليه، حتى ينشأ محباً للصيام، عارفاً للصيام، فلقد كان أصحاب محمدٍ يُصوِّمون صبيانهم ويعطونهم اللعب من العهن، لكي يشتغلوا به عن طلب الطعام والشراب[بخ م].فإذا لم يكن الصوم يشق عليه، ويضرّ به، فكونه يُعوَّد على الصيام ترغيباً فيه، ولذا قال: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر)) [ت د].وفاقد العقل لا يخاطب به، لأن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ.وأما الذي فقد ذاكرته، بأن أصابه الهرم سريعاً، ففقد ذاكرته، وعظم نسيانه، فهذا لا شيء عليه، لا إطعام ولا صيام، لأنه فاقد الذاكرة، وقلم التكليف مرفوع عنه.وأما الذي يعجزه الصيام لكبر سنه، أو أنه مصاب بمرض أعجزه عن الصيام فهذا يُطعم عنه عن كل يوم مسكيناً،. وهذا من سعة الله وتيسيره، وأجمع المسلمون على أن للمسافر أن يفطر في سفره، هذا حُكم الله الذي دل عليه كتابه العزيز، وسنة محمد ، فله أن يفطر في سفر ولا يستطيع أحد أن ينكر عليه. ولكن من صام في سفره فلا ينكر عليه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نسافر مع رسول الله فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم[بخ]، وسأل حمزة الأسلمي النبي قائلاً: يا رسول الله، إن لي جملاً أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وإنه يدركني هذا الشهر وأنا شاب أجد القوة على الصيام، وإني لو أفطرت شق علي القضاء، أفأصوم؟ قال: ((كل ذلك لك يا حمزة))[د]، فخيّره بين الصيام والفطر وأما المريض فإن المريض لا يخلو من أحوال: إما أن يكون هذا المرض يسيراً، لا يؤثر عليه في صيامه، ولا يضعف نشاطه، فإن الواجب عليه أن يصوم، لأنه لا عذر له، وهي أمراض يسيرة، صداع، وجع في الضرس، وغير ذلك من الأمور اليسيرة، فإن هذا يصوم ولا إشكال، ولكن لو كان الصوم مع المرض يُتعبه ويشق عليه من غير أن يُخاف عليه من الهلكة فإن السنة له أن يفطر أخذاً برخصة الله .وأما إن كان الصوم مع هذا المرض يُهدد حياته، وقيل: إن الصوم مع هذا المرض سبب للهلاك ولا يمكن أن يكون الصوم مع هذا المرض فإن الواجب عليه أن يفطر، لأن الله يقول: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه))[بخ]. والمرأة المسلمة إذا طرقها الحيض وجب عليها الفطر، ولو كان قبل الغروب بنصف ساعة ونحو ذلك، لأنه يحرم عليها الصوم وقت خروج الحيض، ولو كان خروجه قبل المغرب بدقائق، أفسد صومها ووجب عليها الفطر وقضاء ذلك اليوم الذي أفطرته.والحامل إذا شق عليها الصوم، وكان الصوم سبباً لضعف الحمل ونحو ذلك أو ضعفها هي، أو كانت مُرضعة إذا صامت ضعف إدرار الثدي للطفل، فإنها تفطر وتقضي يوماً مقامه، فإن كان لأجل الطفل قضت ويستحب أن تطعم مع القضاء إن كان فطرها لأجل طفلها، وإن كان لأجل ذاتها فإنها تقضي فقط.وأبيح الفطر لمن احتاج إليه، لإنقاذ معصوم من هلكة، ومساعدة في كوارث ونحو ذلك، لأن هذا الدين جاء بكل يسر وكل خير.أيها الصائم المسلم، إنك مؤتمن على صيامك، كما أنت مؤتمن على طهارتك وصلاتك وزكاتك وحجك، فالصوم أمانة عندك، وسرّ بينك وبين ربك، لا يطّلع عليه إلا الله، ولذا عظم جزاؤه وكثر خيره، فالصوم أمانة بينك وبين ربك.أجمع المسلمون على أن من تعمد الأكل في نهار رمضان، أو تعمد الشرب في نهار رمضان، أو تعمد إتيان زوجته بعد طلوع الفجر الثاني فإن صومه فاسد، فاتق الله في صيامك ان إتيان الرجل امرأته في نهار رمضان أمر محرم شرعاً، أباح ذلك في الليل، وحرم على المسلم ذلك في النهار، فمن اقترف هذه الجريمة، فقد عصا الله على بصيرة، فواجبه التوبة إلى الله، وقضاء ذلك اليوم، والإتيان بالكفارة المغلظة، أن تعتق رقبة؟)) صيام شهرين متتابعين؟)) أن تطعم ستين مسكيناً؟)) و اعلم أن هذا من كبائر الذنوب، فابتعد عن كل ذلك وما يفضي إليه واما حكم المغذيات التي توضع على المريض لتعوضه عن طلب الطعام والشراب فتلك أيضاً مفطّرة للصائم.أيها المسلم، إن حقن الدم في المريض في نهار رمضان هذا يفطر صومه إذ الدم غذاءٌ للإنسان.أخي المسلم، خروج المني من طريق احتلام في النوم، أو تفكير عرض له فإن ذلك معفو عنه، لأن الاحتلام بغير اختياره، والنبي يقول: ((عفي لأمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) [جة صحيح].وخروج الدم من طريق الفم بالسعال، أو الأنف بالرعاف، أو الناسور أو جروح حصلت لك من غير اختيارك، فكل ذلك لا يؤثر على صيامك استعمالك القطرات في العين والأذن لا يُؤثر على صيامك، استعمال التحليل اليسير لا يؤثر على صيامك، استعمالك الإبر في العضل أو الوريد لا يؤثر على صيامك، وقلع السن في رمضان لا يؤثر على صيامك، فالنبي يقول: ((من استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه))[احمد صحيح]، فأوجب على المسلم إذا طلب القيء لأمر ما عرض له أن يقضي هذا اليوم، وأما إن خرج القيء من غير اختياره وطلبه، فأمرٌ غالب عليه، فلا يلزمه القضاء.فتفقهوا – إخواني – في دينكم، واحفظوا صيامكم من كل ما يفسده وينقّص ثوابه.أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، والعون على كل خير إنه على كل شيء قدير.أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
احكام الصيام :الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً منه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.أيتها الأخت المسلمة، إن أحكام الشرع عام للمسلمين ذكورهم وإناثهم، ولكن هناك أشياء قد تكون متعلقة بالمرأة تخصها دون الرجال، وهذا من حكمة الله.فأولاً: يعمد كثير من النساء في رمضان على تعاطي الحبوب المانعة للعادة الشهرية، وتعاطيها بسبب حرصهن على استكمال رمضان، أو أداء العمرة في شهر رمضان، هو مقصد حسن بلا شك.لكن يعكر على هذا أن تعاطي هذه الحبوب بلا سبب يقتضيه، فيها ضرر على المرأة، وإضرار بها في صلاتها وصومها وحجها، لأن كثيراً من الأخوات قد يتعاطين هذه الحبوب من غير روية ومن غير استشارة طبيب مختص يقدر الأمور حق قدرها، وإنما تكون خبط عشواء، من غير روية وتأمل، فكم تضر وتحدث من الضرر ما لا يحصى، فعلى الأخت المسلمة أن تتبصر في أمر دينها، وأن لا تقدم على شيء قد يؤثر عليها.أيتها المرأة المسلمة، إن بعض الأخوات قد يتعرضن في نهار رمضان إلى ما يسمونه بالتنظيف وهو إسقاط الجنين قبل أن يبْلغ الثمانين يوماً، إسقاط الجنين قبل أن يبلغ ثمانين يوماً لأسباب عرضت اقتضت ذلك، فإنا نقول: هذا لا يسمى نفاساً، ولا يمنع ذلك الدم الخارج الذي لم تجاوز المرأة ثمانين يوماً، هذا الدم نعتبره دم فساد، فعليها أن تصوم، ولو كان هذا الدم الفاسد معها.ثالثاً: بعض أخواتنا المسلمات بأسباب تعاطي هذه العقاقير اضطربت عليهن عادتهن الشهرية، ما بين زيادة ونقصان، وأمور كثيرة، وهذا كله بأسباب هذا الأمر، فنقول أولاً: إن الشرع جعل الحيض مانعاً للصيام وللصلاة، وموجباً لقضاء الصوم دون الصلاة، قالت امرأة لأم المؤمنين: يا أم المؤمنين، ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك في عهد النبي ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا يؤمر بقضاء الصلاة[بخ]، لتكرر الصلاة كل شهر، فمن رحمة الله أن أسقط عن المرأة قضاء الصلاة، ولكن عند اضطراب العادة زيادةً ونقصاناً وخفاء ذلك على المرأة المسلمة، فالواجب عليها في أول الشهر أن تنظر، فإن تكن هذه العادة جاوزت خمسة عشر يوماً، فنحن على يقين أن هذا ليس بحيض، لأن أكثر الحيض عند العلماء أن يبلغ مع المرأة خمسة عشر يوماً، فإذا كان في الشهور الباقية أمر مضطرب عليها بين زيادة أو نقصان، فترجع إلى عادتها السابقة قبل الاختلاف، ففي ذلك احتياط لها، وإذا طهرت المرأة من حيضها قبل طلوع الفجر الثاني قبل أذان الفجر للصلاة، فعليها أن تمسك، وعليها الغسل ولو بعد طلوع الفجر، المهم أنها أصبحت ممن شهد شهر الصيام، فوجب عليها الإمساك، ولو جاءها الحيض بعد غروب الشمس ولو بدقيقة، فإن صومها ذلك اليوم صحيح ولا إشكال في ذلك.نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، والعون على كل خير، وأن يوفقنا جميعاً لصالح الأقوال والأعمال، إنه على كل شيء قدير.